كتب : علاء الفار
تلعب الفتاوى الدينية داخل المجتمع الإسرائيلى دورا محوريا ورئيس فى بلورة العديد من القرارات السياسية والعسكرية وتقف وراء الكثير من الإنتهاكات والممارسات العنصرية بحق الشعب الفلسطينى وأيضا تجاه فصائل المجتمع الإسرائيلى من تمييز لـــ الأقليات ، بالإضافة إلى النظرة حيال المراة .
وتعتبر ” الحاخامية الكبرى ” أهم مؤسسة دينية رسمية تختص – ضمن مهام أخرى – بإصدار الفتاوى في القضايا الخلافية والتي تتعلق على وجه التحديد بالعلاقة بين الدين والدولة، علاوة على القضايا ذات طبيعة اجتماعية وقضايا الأحوال شخصية.
ومنذ عام 1948 وحتى أواخر السبعينات لم تبد الحاخامية الكبرى ميلاً للتدخل في الشؤون السياسية محل الخلاف، وفي نفس الوقت فإن معظم الحاخامات الذين تعاقبوا على شغل منصب الحاخام الأكبر سواءً كانوا غربيين أو شرقيين كانوا ينتمون بشكل أساسي للتيار الديني الأرثوذكسي ( الحريدي )، الذي كان لا يظهر ميلاً للتدخل في القضايا السياسية الخلافية.
ومع التوقيع على اتفاقية ” كامب ديفيد ” بين مصر وإسرائيل والتي وافقت تل أبيب بموجبها على الانسحاب من صحراء سيناء، أبدى بعض الحاخامات الهامشيين ميلاً للتدخل في القضايا السياسية، عبر إصدار بعض الفتاوى التي تحظر الانسحاب من سيناء.
ونظراً لأن الذي وقعت على ” كامب ديفيد ” كانت حكومة يمينية برئاسة قائد تاريخي بحجم ” مناحيم بيغن ” بين هلالين؛ فإنه سرعان ما تم تطويق تأثير هذه الفتاوى. لكن مما لا شك فيه أن التوقيع على اتفاقية ” أوسلو “، واندلاع انتفاضة الأقصى كانت نقطة تحول فارقة فيما يتعلق بالفتاوى ودورها.
فعلى الرغم من أن الجانب الفلسطيني قدم تنازلات في هذه الاتفاقيات إلا أن الأوساط الدينية نظرت إلى هذه الاتفاقيات كمقدمة للتنازل عن الضفة الغربية، التي تعتبر حسب هذه الأوساط بمثابة قلب ” أرض إسرائيل الكاملة “، التي يحظر على أي حكومة إسرائيلية التنازل عنها والانسحاب منها.
في نفس الوقت تم تصوير انتفاضة الأقصى التي تميزت بتنفيذ عدد كبير من العمليات الاستشهادية في عمق الكيان الصهيوني على أنها خطر وجودي يهدد مجرد بقاء إسرائيل.
من هنا هدفت الفتاوى بشكل أساسي إلى نزع الشرعية عن أي قيادة إسرائيلية تتجه إلى التوصل لتسوية سياسية للصراع تسفر عن انسحاب إسرائيل ولو من أجزاء بسيطة من الضفة الغربية، إلى جانب تسويغ أقصى درجات القمع ضد الفلسطينيين.
ولا يقتصر تأثير الفتاوى على تشريع المس بالفلسطينيين والاعتداء عليهم، بل أنها تسهم بشكل واضح في المس بالنظام السياسي الإسرائيلي.
فقد اعترف ” عامير ” الذي اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين أنه أقدم على ما قام به بناءً على عدة فتاوى أصدرها الحاخامات وأباحت قتل رابين. وبعد 14 عاماً على اغتيال رابين، فإنه يبدو بشكل واضح أن فتاوى الحاخامات التي تحرض على الاغتيالات السياسية قد ازدادت فقط.
ففي2008 عرض الحاخام” شالوم دوف فولفا ” فتوى أمام مؤتمر للحاخامات عقد في تل أبيب تبيح قتل كلاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت، ونائبه حاييم رامون ووزيرة خارجيته تسيفي ليفني ووزير حربه ايهود براك لأنهم ” يفكرون بالتنازل عن أراضي ” للفلسطينيين في اطار اتفاق للتسوية مع السلطة الفلسطينية “، وأفتى الحاخام هيرشل شيختر رئيس معهد تخريج الحاخامات في نيويورك فتوى تبيح
إطلاق النار بقصد القتل على أي رئيس وزراء إسرائيلي يبدي استعداداً ” للتنازل ” عن القدس .
وتستخدم الفتاوى أيضاً من قبل الأحزاب الدينية لضمان تحقيق أكبر مكاسب انتخابية ، ففى الانتخابات الأخيرة أصدر الحاخام ” عفوديا يوسيف ” زعيم حركة شاس فتوى تنص على أن ” كل من يصوت لحركة شاس سيحصل على مكان في الدرجة الخامسة من جنة عدن “، مع العلم أن هذه ” الدرجة ” تعتبر أعلى درجات الجنة حسب النصوص الدينية اليهودية.
كما أن “يوسيف ” توعد كل من يصوت لخصم ” شاس” .. حزب ” إسرائيل بيتنا ” بـ ” اللعنة والهلاك “. كما تنشط المرجعيات الدينية الأرثوذكسية في إصدار صكوك ” الحرمان ” ضد خصومهم السياسيين.
وفى سياق الفتاوى الجدلية فقد دفعت العنصرية عدد من كبار المرجعيات الافتاء إلى إصدار فتاوى تتناقض مع صريح التوارة فبالرغم من حرمة العمل في يوم السبت وفق الشريعة اليهودية وباتفاق كل المرجعيات الدينية على مر العصور، فقد أصدر الحاخام ” ابي جيسير” – الحاخام الأكبر لمستوطنة ” عوفرا “، أحد أكبر المستوطنات في الضفة الغربية والتي تقع بجوار مدينة رام الله – فتوى قبل عدة أشهر تبيح لشركات البناء العمل والبناء في المستوطنة أيام السبت من أجل تكريس حقائق على الأرض، ومنع الفلسطينيين من استعادة أراضي سيطر عليها المستوطنون في المنطقة بالقوة لإقامة حي سكني جديد.
وبخلاف ما تنص عليه التوارة التي تحرم الخنزير، فقد أفتى عدد من كبار الحاخامات في الضفة الغربية للمستوطنين بتربية قطعان الخنازير من أجل استخدامها في إتلاف المحاصيل الزراعية للقرويين الفلسطينيين الذين يقطنون في محيط المستوطنات.
ولعل من الأثار الكبرى للفتاوى الإسرائيلية العنصرية ما كان وراء حرق الطفل الفلسطيني «علي سعد دوابشة»، البالغ من العمر 18 شهرا، في هجوم أضرم خلاله مستوطنون يهود النار في منزل عائلة فلسطينية في الضفة الغربية، نهاية يوليو الماضي.
وفي وقت لاحق لقي والد الطفل «سعد دوابشة» حتفه متأثرا بإصابته بجراح بالغة، كما أصيبت زوجته «ريهام»، ونجله الثاني «أحمد» (4 سنوات) بجروح بالغة.
فكل هذه الممارسات والإنتهاكات دائما مايقف ورائها مجموعة من الفتاوى البغيضة تأخذ من العنصرية سبيلا لها .